AhmedAlalawi

أزرق شاسع

تحلق النوارس فوق الأزرق الشاسع الممتد بلا نهاية، لكنهُ انتظار يعبأ من زرقته قلقي، يعيد كل صور المسالمة قبل أن يصبح ندا يأجج اضطرابه داخلي، صغارا لعبنا على شاطئه وغطسنا أمام امتداده لا نرنو إلى الخط الذي يندمج معه بالأفق، ركضنا خلف النوارس التي تعيد سيرة فزعها إلينا في خوفنا ألا نتقن الطيران مثلها، لحظة ثورته وتمدد لونه إلى أجسامنا، نحن من ينتظر كل الأماني التي تسبح في لونه، أنا من يقلق كلما ركبتُ ماءه مقامرا بنجاتي، محاولا ربح كنزه.
يعيد عليّ الأزرق الشاسع حكايا الأولين ممن تواروا خلف أفقه ولم يعودوا، يعيد سيرة الملوك والمغاوير الذين صعدوا إلى أفقه وعادوا محملين بكل الأحلام التي تحققت وبقصص يتلونها كلما غابت شمس شطآنه، هذا البحر المسكون بوجع الانتظار كلما تيقنتُ سبيل العبور إلى شطه الآخر، يعبر الحياة من مهدها الأول إلى لحدها الآخر، ماء حمل البداية حين ثار الطوفان العظيم، ونهاية لحظة العبور إلى سيناء، وكلاهما انتظار.
انتظارٌ شاسع بين زرقته الوليدة وعمرٌ حافلٌ قبل انطفاء ألقهِ وتوَشَّي الشيب في الرأس، تهدر أمواج الأزرق كلما ضاق بالحلم أفق، حين يصبح العمر؛ أبيضَ حلق فوقه وغاب، كأننا لم نقتسم يوما ملحه الصاعد من ثنايا الباب، ولم نقشر من الجدران صوته الاخاذ، لم يكن للصغار سوى ماء وزرقة تتلألأ يخرج منها السندباد، أزرق حضي باتساع؛ في لجته انتظار حين غدى الطفل شاب، وقلق طويل طوق أفقه، لِمَ أنفلت العمر وأصبح كومة من بياض؟
أسمع وصايا الجدات “لا تكن نورسًا فتغيب ولا حالمًا يُشقيه البحر، كن الأزرق فقط واحمي العمر من موجٍ هاربٍ إلى الشطآن” هي خرافة التمكن التي جنحت نحو الأزرق داخلي.. حلقت.. سقطت.. قذفت.. سافرت إلى كل البحار وعادت معي الوصايا كالانتظار المبهم أمام كل شيء أزرق، حلقتُ فوقه حاملا كل المرويات، منشدا كل المرثيات، فسقطتُ مع توهج الأبيض المخادع داخلي، وقذفتُ بلا رحمة إلى شاطئ لا يغادره المتجاسرين الذين خسروا العمر واللحظة التي كانت تصعد بهم إلى غيمة تحمل أحلامهم الموشحة بالهروب من الأزرق الشاسع إلى الأبيض الناصع.
البحر أزرق شب على لون السماء وراح يغدق العطايا قبل الابتلاء! العمر رحلة زرقاء لكل الذين كلل ميلادهم البحر من موجة الرحم إلى موج الأزرق، محاولين بعدها الولوج إلى صفاء الأبيض والحياة.

أحمد العلوي