وحيدةٌ صديقتي التي تعتلي هودج الوجود المتعثر، فنجان قهوة وقطعة كرواسون أمامها، وحياةٌ تتشكل على مهل…تهاتفني بعد أن يذوب مكعب السكر لتقول: “أيهما أجمل؛ صباح الخير أم صباحك وردٌ يذبلُ بعد انتصاف النهار؟” تضحك لأنها ترمي الحقائق، ولا تنتبه إلى قطعة سكر ثانية تجد دربها إلى شفاهها المنتظرة لأولى رشفاتِ قهوتها.
تبعثُ بصورة يتيمة لفنجانِها، ينضح تِيهًا في عتمةٍ سرمديةٍ، ويقينٍ ضيعتْهُ مسالكُ الشكِّ تحت سقوف هذه الأَبَديَّة.
تكتب تحتها:
“لا يكفيني أن أكون وحدي برفقة فنجان، وعيون المارة تنغرسُ في جسد المجدلية”.
هذه أنتِ من بين شقوق الأيام تخرجين، عبر ضَوْعِ البخورِ، صديقةٌ تنسل من ضفاف الأنهار ومن حقول القمح التي تُلمحُ من ظِلال السِّنديان.
يا صديقةُ! كل هذا الرخام المنحوت تحت أوج لحظات السماء اتساعًا، هل للصباح وهجُ مسيرك المنعزل عنَّي؟ كسائرِ الأيام الماضية والآتية في حيز المكان الذي يؤسسه وجودك ويزيحهُ غيابي الطويل عنهُ، مجروحٌ ذلك القلب الذي يسكن صدرك،
منذ أن
غارتْ سكينُ العزلة
داخل عتمة اللحظة
تنبشين المكان المكلل بدماء الشهيد المصلوب؛ لتسكبي فوق مذبح الخطيئة أسألتَك. رفعتِ صوتَ التراتيل، وطلبتِ أن يعود القلبُ بلا قيود إليكِ؛ بلا صديق، بلا رفيق، بلا انتظار يُطيل أمد هذا الضياع.
انتظارٌ/ فنجانٌ/ كرواسون/ وردةٌ/ مشغول…
تمضي دقائق وتبعث: “مشغول؟ معك شغل؟ فاضي؟”
إلى آخر الأعماق الوحشية لهذا الصوت القادم من باطن الأرض. ترمي في فسحة ظلالها وردةً لا تصل إلى منتهاها المُشتَهَى، تتهاوى أوراقها ورقة بعد ورقة، مُعمِّقة الانتظار اللا محدود لعُزلة اللون السماوي، في الليل الذي لا يخلفُه إلا ليل.
أُحجيةٌ لي ولك المسارُ
تحت هَسِيسِ المارة
تسأل وأجيبُ، تقتربُ أكثر وأسكتُ، تبتعد أكثر وتسأل…
تسألُ عن عبوري المتشابك منذ الصباح المتطاير خلف نافذة قطار الأمس، كنتُ أنتظر يا صديقتي… طفلة الأيام تجلب لي من مراعي السماء* فنجان قهوة وكرواسون وقطعة سكر.
بقيَتْ وحيدةً صديقتي؛ تركتْ قطعة الكرواسون، كأنها تُقامر بالوقت فوق فُوهة مدفع.
أحمد العلوي- الدوحة 2022

*مراعي السماء، قصص قصية تأليف جون شتاينبك.