“جابر عتيق مزاحمٌ يقظته”

“لا شيء معنا نُكلل به نزق المساء ورتابة اللحظة، سوى الخيبة، والضحكات المنفلتة من هواجسنا اللاذعة”

لم يبقَ سوانا يا جابر، لم تبقَ الزرقةُ معنا بعد هذا الغروب الشاحب؛ ذهبتْ حيث الليل، لترتاح  من يقظتنا، بقينا ننوس كسلًا على مسطبتنا؛ أين العابرون من هنا؟ كيف تواروا خلف الظلمة؟

 ولا شيء معنا نُكلل به نزق المساء ورتابة اللحظة، سوى الخيبة، والضحكات المنفلتة من هواجسنا اللاذعة.

هناك يا صاحبي خيط نوري، يُقسِّمُ الأفق، أنظر خيطَ خوفٍ وضياعٍ يُقسم مسطبتنا، نضحك، ونلف سجائرنا، نشعلها، وخلفها العالم يغور في عينك، تهتز من دخان الحروب، وتغضب من جلوسنا الطويل الطويل. 

ألم تقل يا ابن عتيق: اللحظة المتشظية لا يعاد تشكيلها إلا على مسطبة، تُزاحم فيها رائحة التبغ سقفَ هذه الظلام؟ 

ها نحن هنا تحته نعدُّ خسائر المهزومين. كم مضى على الظلام؟ سألتكَ لكنك اتكأتَ وحدَّقتَ صوب أحلامك، تُعلق عينيك على صدر أيامنا، فوق مسطبة المتصوفة، وتسأل بعدها شاردًا: كم سيطول غيابُنا؟ وإلى أين تقودنا آمالنا الغريقة؟ 

نحن الذين اخترنا هذه البقعة، وهذا الانتظار الطويلَ الطويل الطويل، عبثًا نراقب الغيب، كما نفعل يومًا بعد يوم على مسطبتنا، عبثًا نُحملق نحو الأفق، ننتظر طلوع الذئب من قمرة اللاوعي؛ لنحاول استيعاب خيبة العالم، في آنية اللحظة.

تصرخ وتثور قفزًا، لستَ أنت وحدك ترمم الأيام، وتكتب وتعانق الأهواء، وتخسر؛ أصعدُ معك على ما تبقى من حجارة مسطبتنا، وأصرخ: “أنت معي”؛ مثل المتصوف يقاتل العُزلة بالنشوة؛ ليمضي إلى الوحدة.

أحمد العلوي 

الدوحة قطر، فبراير 2023

7 ردود على ““جابر عتيق مزاحمٌ يقظته””

  1. عزيزي لا شيء يبقى فكل شيء محكوم عليه بالعودة للعدم، لا ألوان هناك ولا اشخاص فلا تستغرب أن تجرب بعض الذي سيحدث في المستقبل قبل وقوعه، فما نحن إلا ماء نثر على وجه الأرض ولا بد لنا أن نتبخر.
    سنتذكر تلك الكلمات التي كنا نرسم بها المشهد كما كنا نرسم بها الحكايا، وكما نوجه بها الجدل والنقاش في لقاءاتنا المتتالية، نخرجها من أنفسنا العميقة، التي تسكنها الظلمة لنلقيها في الواقع فتصرعه أو يصرعها، فندفن أحدهم، أو ربما تتصادم حين تخرج كلماتي من الأعماق فتجابها كلماتك بدروعها وسيوفها وتدور المعركة التي لا دم فيها، وتذكر أن الموت بلا دم نازف هو أقسى موت يمكن أن يعيشه بشر.
    حين تثور الحروب بين الكلمات يصبح للسيجارة معنى آخر، نشعلها وننفث دخانها وكأننا نخلق عواصف، ضبابٌ ودخان في ساحة المعركة، وحين تنزل الفوضى لعيوننا ننظر لبعضنا ونحن نرى المعركة ثم نضحك على ذلك المشهد التراجيدي الذي خلقناه من العدم، سنتذكر كم من الكلمات ألقينا في فوهة الجحيم لنخلق بها واقعاً مختلفاً يمكننا أن نرسم من خلاله خيطاً من النور أو رائحة عطر تغير الحاضر وتجعل الجميع يلتفت إلينا.
    تمدد عزيزي على المذبح فلا خيار لك سوى أن تقدم نفسك قرباناً لآلهة لا تعرفها لكي تعبث بدمك، ستقول: تمدد أنت، سأخبرك حينا أني أعرف رائحة دمي فقد تمددت على مذابح كثيرة لكنها للأسف لم تنجح أن تخلق لي النهاية المحتومة وعليك أن تجرب الشعور حين ترى الدم ينزف ليشكل دائرة حولك وأنت لا تتحرك، وأكثر من ذلك تعرف أنك لن تموت، فالمذابح مثل الفاكهة المحرمة ما إن تذوقها مرة، تهوي للجحيم وتستسلم لكل المذابح التي تجدها أمامك.
    عزيزي لا أملك غير الأفق لأنظر إليه فكل النظرات غائبة عن الواقع وراء فكر مجنون يسيطر على عقل رجل بسيط، استطاع أن يخلق عالماً في داخله أعمق وذا ابعادٍ مختلفة، تحيطه أسوار وخنادق ويقف امامه جنودٌ لا حصر لهم ولا عدد، فيعود أدراجه لوهمه الجميل، لكنه في يوم من الأيام استيقظ ليجد أن كل أفكاره قد تحطمت وتهدمت الأسوار ومات الجنود وأنه أصبح في الواقع، فرح ورقص وغنا، ثم اكتشف أن الواقع له اسوار أضخم وجنود اقوى وأقسى وأكثر، وأن الموت أخرج الشبح الذي يعيش بداخلي ليسيطر عليه.
    اغلق عينيك عزيزي وأستسلم لفكرة غبية واحدة لا تغيرها ، الجمود رحمة لا ينالها إلا الأغبياء، لكنهم رغم غبائهم الذي يلومنهم عليه تكون أمامهم الأمور ابسط، فيقدمون ويبحرون، يخسرون ويضحكون كأن لا شيء قد حدث.
    لتصبح أبن العربي، سألبس الصوف من أجلك، ونجوب العالم بأقدامٍ حافيه فالعالم لا يستحق أن نلبس له أحذية، علينا أن نطؤه كما الخيول الجامحة لنترك أثرنا كندوب لا يستطيع أن يمسحها أحد..

    Liked by 2 people

      • عزيزي العالم له وجوه كثيرة عليك أن تختار اي وجه تريد أن تسقط عليه حقيقتك .
        أن تترك العالم يعج بالفوضى افضل من أن تفرض عليه حقيقه لا يرغب فيها .

        Liked by 1 person

      • لكننا نكتب لكي لا نسقط كليا في فخ الخديعة، لا نصدح بالصوت غاضب بقدر ما نغامر ونكتب حقيقة العالم ونتسأل كما يحلوا لنا، دون صِدام مع تيار نحاول تجنب الوقوع فيه.

        Liked by 1 person

      • لا جف قلمك الجميل الصادق، الجمال له ريشه تعزف على أوتار القلب فيمزجها الكاتب بما هو جميل وما هو حقيقي، نكتب لكي نقول للعالم قف!! نحن نراك كما أنت دون تزييف، وهناك كثير في عالمك يريدون ذلك الزيف يحبون خيالات الوهم اكثر من الحقيقه.
        لقد سقطنا في واقعنا المتدهور المتهور السريع، قفزنا قفزة حرة للهاوي لا لكي ننتهي بل لنرى الواقع وننسجه باقلامنا

        Liked by 1 person

      • وهل لي سواه .. انا هناك اتربع على وسائد الريح وارحل فأطأ الرؤوس العالية واجمح بين الصبا والمشيب فلا عمر للخيال ولا حدود، اضع كل قدم في قارة وكل فكرة في محيط وأقرأ النجوم والكواكب ككتاب مفتوح ..
        انا الريح إن اردت وانا الوهم إن سمعت وأنا الضياع إن شئت انا جابر ..

        Liked by 2 people

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s


%d مدونون معجبون بهذه: