على الثَّلجِ كانت خُطاها؛ إلى الثائرِ.

أحمد العلوي، الدوحة 2022.

معلّقٌ أنا على مشانق الصباحْ
و جبهتي – بالموت – محنيّةْ
لأنّني لم أحنها .. حيّةْ ! *

أمل دنقل

تصرخ كما الرجال خلف الثائر: “موتٌ تلك الحرية، وموتٌ سلاسل الملوك”

أحمد العلوي

رقَّ حولَ قدميها الثلجُ الأعزل من السوادٍ، وضَجَّ عالمي الأعزلُ، بصوتِ تَكَسُّرِه المكتوم خلفها، أَشْعَلَتِ الأزمنةَ الباردةَ في دمي المسفوح بين أروقة العبيد، كانت أغنية المرابطين خلف أسوار روما، وغَبِطْتُ سبارتاكوس المشنوق على جذع أنثى لا تموت، تقطعُ الدروب تحت نَدْفِ السماء؛ لتُسْمِعَني نَدْفَ آهاتها الناصعة بين السفوحِ.


بيضاءُ تأتي بين أشجار الصنوبر المثقلة بشهوات الربيع، طائرٌ يحنُّ إلى دفء صدرٍ تهافتت عليه جموع العبيد، تصرخ كما الرجال خلف الثائر: “موتٌ تلك الحرية، وموتٌ سلاسل الملوك”. تَطرقُ سجن السُّفوح المترامية بأناملها الكَسلى، وتلتصق عليه صدرًا ضجَّ فيه الضياع ، تتنصَّتُ إلى المتمرد المهزوم، ولا تسمع إلا الصرير المكنون في جسد الأرض البيضاء.


كنتُ على الثلج حين صدح حولي النداءُ الوحشي، آتٍ من البياض المنبعثِ من أبواب السماء، يُمهِّدُ للنبوءة المزروعة على وجنتيكِ المحمرَّتين، يقفز بها أيلٌ قديم، رأى جموع الهاربين من أسوار روما إلى الخلاء الأبيض، إلى سكنات البلاء، مضيتُ إليكِ عاريًا هاربًا من كل الأصدقاء، أستقبلُ تقلَّبَ نظراتِك، والشكِّ الذي وَعَدَ به قلبُكِ المهجور أن يكون فيه ماء.


أطاحَ بي سيلُ كلماتك المرتجفة، وزمهريرُها المكنوزُ على شفتَيْكِ، فوق ثلجِ الوقتِ المنبعث من الظِّلالِ خلفَ قدومِك وقُدوم الصقيع، كان الثلج مُلطخًا بأثر الهروبِ من حِراب القيصر، كان يشحذُ الرمح والموت المعلق بين أغصان الشجر، وأنتِ؛ أنتِ الوحيدة التي تَجَاسرُ بياضُها وخَطَا فوق عَتمةِ قلبي الأعزل، غير أنَّ الحكاية تنفض حينَ يسقطُ الحُلم من سماء أملِكِ الأوحدِ.

بيديكِ وحدها وبالأمل الخادع ، بالحكمة المزدهرة في أزمنة الجوع والفرار، تنطقين: “أنتَ تُنشد فيَّ الحريةَ، من قِيد هذه الأبدية”. ثقيلةٌ تركةُ الحاضر الذي يعيشه قلبي الحالم، القلب النازف لأجل طُهْرِ الثلج الملوثِ بزَيْفِ الحقِّ، لم يكن ليكون إلا جيوشَ القيصر، والصَّلبَ للعبدِ الذي حَلَمَ بعالمٍ سعيدٍ، يُكلِّلُ بهجةَ الأبيض الذي يُثقِلُ كتفَيْكِ، حين مَرَرْتِ بكلِّ الرغبة المشبِعَةِ للموت المعلَّقِ على أعناق الرجال.


مهجورٌ قلبي البعيدُ الآن، وحالِكٌ الكونُ حَوْلي، غَادرتُ قبل قليل؛ قبل أن يكتمل قدومُك حولي رَحَلْتُ، باتِّجَاه الريح من بلادٍ يحكمها قائدٌ، أَردَى الأحرارَ وشَنقَ الأحلام، التي كانت تتكسَّر تحت قدمَيْكِ فوق العالم الأبيض.

*من قصيدة كلمات سبارتاكوس الأخيرة.

أضف تعليق